سوف نقدم لكم مقال رائع للدكتور جاسم المطوع: هل واتس اب أهم من أبنائنا؟ ومن هم أيتام التكنولوجيا؟
هل واتس اب أهم من أبنائنا؟
مقالات كثيرة كتبت في القديم القريب حول تدخل المربية في تربية الأبناء، بعدما إنتشر موضوع جليسة الاطفال في بيوتنا، ومقالات قبلها كتبت حول عمل المرأة وإنصرافها عن تربية أبنائها أو إشغال الأب وعدم متابعة أبنائه، واليوم صرنا لا نتكلم عن الخدم ولا عن العمل والإهمال التربوي وإنما صار إهتمام الوالدين معلقاً بوسائط التواصل الاجتماعي، حتى إنصرف الوالدان عن الاهتمام بأولادهما والإنشغال بتربيتهم وحسن توجيههم.
فكثير من الآباء والأمهات إنشغلوا بوسائل التواصل المجانية مثل واتس اب التانجو، الفايبر، السكايب” أو بشبكات التواصل الإجتماعية مثل “إنستجرام، تويتر، الكيك، الفيس“، ولعل أكثر ما يأخذ وقت الوالدين اليوم واتس اب أ و”الإنستجرام”.
حتى صار هذا الجيل يوصف بجيل “الرقبة المنحنية” من كثرة إنحناء الرأس على الهواتف الذكية وصار واتس اليوم يدير أوقاتنا، حتى أفقدنا الإحساس بطعم الحياة والتأمل بالطبيعة، والتفكر بمجريات الأحداث والتركيز على الأهداف والإستمرار بالإنجاز فصار همّ الواحد منا اليوم نقل الأخبار والأحداث التي من حوله، أكثر من أن يتفاعل مع الحدث الذي أمامه.
فلو رأى حادث إصطدام بين سيارتين يكون أول ما يفكر به نشر الخبر قبل أن يفكر ويبادر بمساعدة المصابين بل وقد تجد شخصاً جالساً في غرفة العناية المركزة بقرب أبيه أو أمه في لحظات حياتهما الأخيرة. ويكون مشغولاً بنقل أخباره من خلال هذه الوسائل أكثر من إنشغاله بالدعاء لهما أو الإهتمام بهما
– وقد تجد أطفالاً يسرحون ويمرحون في البيت من غير توجيه وتربية بينما تكون أمهم في غرفة نومها ترسل الصور أو مقاطع الفيديو، وأبوهم مشغولاً بإرسال الطرائف والنكت لأحبابه.
بعض الآباء والأمهات يشتكون من إنشغال أبنائهم بوسائل التكنولوجيا، ولو راقبوا أنفسهم لوجدوا أنهم مشغولون بهذه الوسائل أكثر من انشغال أبنائهم بالتكنولوجيا
– حتى صرنا في زمن يحق لنا أن نصف أبناءنا بأنهم “أيتام التكنولوجيا”، فصار التعلق بالهواتف الذكية سمة العصر وأذكر أنه في يوم من الأيام قالت لي إمرأة: أمنيتي في الحياة أن أكون هاتفاً ذكياً حتى يمسكني زوجي وأبنائي طوال اليوم فإبتسمت من تعبيرها هذا في وصف الحالة التي نعيشها
– ورجل من يومين كان يشتكي لي من شدة تعلق زوجته بصديقاتها بـ واتس اب وبنشر أخبارها عن طريق “الإنستجرام” وكل ذلك على حساب الإهتمام بالبيت وتربية الأبناء ومتابعة دروسهم.
– ومن شدة تعلق الوالدين بالتكنولوجيا السريعة والهواتف الذكية صاروا يريدون أن يعالجوا مشكلاتهم التربوية بنفس إيقاع التكنولوجيا السريع
– ويحسبون أن المشكلات التربوية مثل تسخين الطعام بالمايكروويف تعالج بشكل سريع وبجلسة واحدة أو توجيه واحد إن “التربية الميكروفية” هذه يستحيل تحقيقها، لأن الإنسان ليس آلة أو ماكينة وإنما يحتاج لصبر وتكرار توجيه ودقة متابعة، ومرونة في التعامل معه من أجل تقويم سلوكه وحسن تربيته.
– لقد فقد الوالدان اليوم السيطرة على تربية أولادهما في الطعام واللباس والأخلاق والمهارات
– بسبب كثرة إنشغالهما بأنفسهما والتكنولوجيا التي بين أيديهما، وصار الأولاد يعانون من السمنة وسوء التغذية وفقدان الشهية، وكثرة الأمراض النفسية والعنف بسبب إنصراف الوالدين عن الإهتمام بهم
– على حساب واتس اب الذي يتداول يومياً ما لا يقل عن 27 مليار رسالة، حتى صار مكاناً خصباً للفضائح وكشف الأسرار والتهديدات والطلاقات، وإخراج كل العواطف المكبوتة ورؤية المشاهد الإباحية.
– ومن يومين تحدثت لجمهور الكيك حول موضوع “أمي وأبي أونلاين online”، وأغلب المتابعين من شريحة الشباب والفتيات.
وقلت لهم:
إن الوالدين صاروا “أونلاين” مع أصدقائهما وعلاقاتهما أكثر من أولادهما ثم قلت لهم مازحاً: أما مع أولادهما فهم “أوفلاين ofline”، وخلال ساعات قليلة حاز الموضوع على أكثر من 4000 إعجاب، وأكثر من 100 تعليق من الأبناء والبنات
– ولفت نظري بعض التعليقات على هذا الموضوع مثل: قال الأول: “هم كانوا يقولون لنا: أتركوا الجوال والحين صاروا زيّنا”
وقال الثاني: “حتى خدامنا صاروا مثل أبونا وأمنا”
وقال الثالث: “أمي تركت الإهتمام بنا وببرامجها التلفزيونية وصارت 24 على واتس اب
وقال الرابع: “وأبوي عنده صديقات وعلاقات وهو مدمن على الواتس أب”
وقالت الخامسة: “أمي مشغولة بالواتس أب، وأبوي بالسفرات والإستراحات”.
– نحن لسنا ضد إستخدام وسائل التواصل أو تكنولوجيا الإتصال ولكننا مع تحديد الأولويات في الحياة الإجتماعية، وأكبر أولوية هي بناء أسرة مستقرة وسعيدة ومترابطة وهذا الهدف لا يأتي إلا بالإهتمام التربوي والحوار وإشاعة الحب، وهذه الثلاثية تحتاج لوقت حتى تتأسس بالأسرة.
– وأختم بتعليق من أحد الآباء بأنه إقترح على عائلته أن يخصص يوماً من غير إستخدام الهواتف الذكية وقد نجح كما يقول بتطبيق هذه التجربة، ولكن المهم ألا يكون “الواتس أب” أكثر أهمية من أولادنا.