التسلط التربوي من علامات الفشل التربوي وأيضاً بأن نتوارث طرق وأساليب آبائنا في تربيتنا لنطبقها نحن في تربيتنا لأبنائنا؛ لأن كل جيل وله ظروفه ومستجدات وتطورات زمنية فلا تتناسب طريقة قديمة مع جيل جديد لأنه يؤدى إلى نشئة جيل مشوه تربويًا.
التسلط التربوي ينتج جيل مشوه
ولابد أن أشير وأؤكد أنني أتحدث عن طرق و أساليب التربية، ولا أتكلم عن مبادئ تربوية وأصول. فالمبادئ والأصول لا تتغير بتغير الوقت وإختلاف الأحوال، فالصدق يبقى أصلا تربويا في كل زمان وإنما الذي يختلف هو أسلوب تعليم الناشئ كيف يكون صادقاً وقل مثل هذا في بقية الأصول التربوية. فليس الخلاف على المبادئ وإنما الأساليب المتبعة في ترسيخ تلك المبادئ وكيفية التعامل مع أولادنا لنصل بهم إلى القناعات اللازمة للمبادئ التربوية.
إن أسوأ ما يمكن أن يتوارثه آباء اليوم من آباء الأمس هو التسلط التربوي والذي قد يكون ممتزجا بالقسوة في غالب الأحيان أو بالشدة الخارجة عن حيز الإعتدال. والتسلط التربوي هو إحكام قبضة الأب على أولاده بحيث لا يمكنهم الخروج عن مراداته ولا عن رؤيته هو لواقعهم ومستقبلهم. وهذا التسلط كما يكون في البيت يكون في المدرسة والجامعة وهو من أشكال التسلط التي تسود المجتمعات المتخلفة إجتماعياً وثقافياً.
أسباب التسلط التربوي
1- فقد يكون وراثيا بمعنى أن الأب رباه أبوه بهذه الطريقة فأخذها منه وورثها عنه وجعل يطبقها على أولاده.
2- وقد يكون سبب التسلط رغبة الأب في تحقيق حلم فشل هو في تحقيقه بنفسه فهو يريد أن يحقق حلمه في أبنائه كأب كان يتمنى أن يكون طبيباً جراحاً أو مهندساً مثلاً، ولكنه لسبب ما ضاع حلمه فلم يستطع تحقيقه. فيسعى لإرغام أبنائه أو بعضهم على أن يدرسوا ليكونوا أطباء ليحققوا له ما عجز هو عن تحقيقه بنفسه. وهذا جانب كونه فشلاً تربوياً فهو أيضا أنانية مطلقة أن يُرغَم الإبن على فعل ما لا يحبه أو يشتهيه من أجل إرضاء شهوة في نفس أبيه.
3- وسبب آخر لهذا التسلط هو أن الأب يريد أن يبقى حاكم البيت الأوحد فلا ينازعه أحد في أي أمر، ولا ينبغي أن يخرج أحد عن طوعه أو أن خالف أمره في صغير أو كبير وينسى في ظل هذا التخوف من ذهاب سلطانه أو خشيته أن ينازعه ذلك أحد أبنائه أن الأولاد يكبرون وتتكون لهم شخصيات مستقلة ولها رأيها فإذا رآى الأب ذلك من أبنائه أو أحدهم ثار وقام حماية لحقوقه وخوفاً من إنتزاع سلطاته التي يظن خطأ أنه نوزع فيها.
قبضة حديدية وآثار مدمرة
إن بعض الآباء يحكم قبضته على أولاده ولا يريد لهم أبدا أن يتحرروا من تلك القبضة مهما بلغت سنهم أو طال عمرهم وكلما كبر الأولاد وبدت عليهم ملامح المراهقة والرجولة ـ ومعها إستقلالية الرأي ـ زادت قوة قبضة الأب ـ ربما خوفاً عليهم من التفلت أو لما سبق ذكره من أسباب..
غير أن إزدياد هذه القبضة ليس له إلا إحدى نتيجتين:
الأولى: أن ينجح هو في تشديد قبضته فينكسر الولد تحت وطأة هذه الشدة فيفقد الولد شخصيته، وتكون النتيجة نتاجاً (ولد أو بنت) بلا رأي ولا قيمة ولا شخصية لا يصلح أن يتخذ قرارا، ولا أن يبدي رأياً، ولا يحس لنفسه بقيمة فهو كعدمه لا يصلح لينفع مجتمعه وأمته، أو حتى أن ينفع نفسه هو هذا إذا نجى من الأمراض النفسية كالانطوائية والإحساس بالدونية، أو العدائية الشديدة أو غيرها.
الثانية: أن يقاوم الإبن تلك القبضة حتى يزيحها تماما ويخرج عن السيطرة بإمتياز وليفقدها الأب إلى الأبد، ولا يبقى أمام الأب إلا أن يقبل بالواقع ويعيش هو وإبنه كل في حاله وتكون حياة أشبه بالعزلة الحقيقية أو الشعورية.. وإما أن يتشبث الأب بسلطته المنزلية فلا يقبل بوجود شخص متمرد فربما طرده من البيت ليفقده إلى الأبد.
المربي الذكي
إن المربي الذكي ليس هو الذي يُخضع من يربيه لرغباته أو يصل به إلى الطاعة العمياء لأوامره وإنما المربي الناجح هو الذي يخفف قبضته على من يربيه كلما كبرت سنه ونضج عقله حتى ترتفع تلك القبضة كليا مع تمام النضج العقلي للمربَّى وإنما يبقى جانب التوجيه والإرشاد والتنبيه على الأخطاء وبيان وجهات النظر من خلال الحوار المستمر لا من خلال الأوامر والنواهي.